يحق لهذه الأرض أن تفخر بنماذج إنسانية ووطنية رائعة ونادرة أثبتت ـ على مرّ الأيام وتوالي التجارب ـ جدارتها العالية واقتدارها المشهود في جوّ يحفل بالغوغائيين على اختلاف أشكالهم وألوانهم.
"ش كون" "امني ولايه" "معين المن" "مُسكري بتعيين" أسئلة و عبارات و إن خفت حدة تداولها في الصالونات و جف منها الريق على الألسن إلا أنها لم تغادر بعدُ الأذهانَ و ما زالت تطفوا على السطح بعض دلالاتها في أعقاب نشر كل بيان لمجلس الوزراء أو صدور مرسوم عن رئاسة الجمهورية أو تعديل وزاري و كأن الواقع في غياب تام عن سياقات الدولة الحديثة أو في تعارض مع مبادئ الجمهورية.
بينما كان جنون الإرهاب يجتاح العالم أجمع، وأصداء التفجيرات الانتحارية تردد في غير مكان في مدن أوروبا وشوارعها، وفيما كانت دول قد تحولت بشكل كامل إلى أطلال وخرابات، وبينما الدبابات والآليات العسكرية تجوب حارات عاصمة الاستقرار في الشرق الأوسط، وفي مناخ إقليميّ ودوليّ مشحُون بالسّموم، كانت بضع سيارات من الحرس الرئاسي والشرطة تؤمن بثقة تامة أكبر حدث تحتضنه نواكشوط على الإطلاق، منذ ميلاد موريتانيا الحديثة.
لا أدري كيف جئت هناك، ولا لماذا اختاروا شخصي الضعيف لهذا الشرف العظيم! ربما لأني من أكثر الناس نقمة عليهم واشمئزازا من جامعتهم المفرقة وحصيلتها الصِّفْرِيَّة. وقفت منتصبا مرفوع الرأس وكلي فخر واعتزاز بقادتي الذين أروني مجدا بهذا الحجم، وبدأت أعيد النظر في موقفي السلبي المزمن من الجامعة العربية، وأقول في نفسي: "أن تصل متأخرا خير من أن لا تأتي" لعلها اختارت تقديم إنجازاتها دفعة على تجزئتها!
لن يستغرب من يحل ضيفا على أرض المنارة والرباط حين يلقى حفاوة استقبال، أو يجد كرم ضيافة، فيقابل بترحاب يناسب مقامه، الأرض أرض الكرم والطبيعة أعانت سكان هذا المنكب البرزخي على استقبال كل من نزل بهم قبل أن يستقر به المقام بالترحاب والتلقي ولسان حالهم يقول مقولة حاتم الطائي:
أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله
لم تكد تمض ثلاثة عشرة سنة على استقلال موريتانيا في الـ 28 نوفمبر 1960 حتى انضمت إلى الجامعة العربية في العام 1973، مكانها الطبيعي الحضاري و التاريخي. و هو الانضمام الذي تم من دون الخضوع لأي اختبار حول اشتراطات الانتماء ودلالات التكامل و الترابط العضوي في دائرة اللغة و الجغرافيا و الخلفية المعتقدية و النشأة والتاريخ ذلك أنه من حيث:
إذ يهم العرب بالتآم الشمل في قمة انواكشوط، التي تحاول إظهار النقير من تبرعاتهم في مظهرها، الذي لا تهتم به عادة، فإن الغرب هو الآخر ممثلا في قمته يترقب، ويحملق في المشهد برمته، ولا أدل على ذلك من كلمات مشحونة أطلقها السفير الأمريكي لاري آندري بمناسبة عيد استقلال الولايات المتحدة الأمريكية، المعروفة بالتدخلات الحاسمة، في بنما، وفي العراق، وفي ليبيا، وفي يوغسلافيا، حيث كان يوجد طاغية الصرب ميلوزوفيتش.
من مسلمات الحياة الحضرية أن أي واحد منا لم يختر جيرانه المباشرين داخل المدينة،كما أن الدول الحديثة لم تحدد بإرادتها موقعها الجغرافي ،من هنا كان التعايش الأخوي أساس الحياة الإنسانية و ضرورة بقاء الأفراد والمجتمعات ،إن على مستوى الأسر أو على صعيد العلاقات بين الدول المتجاورة،وكما أن الجيران لا يستطيعون العيش في حالة نزاع دائم فكذلك الأمر بالنسبة للدول،لهذا تعتبر الدول التي لا تتخذ من موقعها فرصة لنسج شبكات من العلاقات العميقة مع جيرانها من أجل المصلح
في ظاهرة غريبة ونادرة تجر بعض الشعوب من القاعدة نخبها المتعلمة إلى فضائل التنوير وساحات العمل و الإبداع وتجعلها تعتلي صهوة الأحداث الجسام و تتبنى نبيل المواقف في حالك الأزمات و ضروري الحسم.