
الذين جلدوا الزمن الناصري والقومية والعروبة والبعثية، ما تركوا ذاك الزمن- بما له وما عليه- يُكمل مساره، وما قدَّموا بديلا عنه، فما بلغته الأمة في شهر مايو الحالي، وهو ذكرى النكبة، لا أحد تصوّر وقوعه، وعلى الفلسطينيين أن يفهموا حقيقة بقائهم وحدهم في ساحة القتال، بعد أن انقسم العرب بين صامت مثل الأموات، لا يدري ما يجري من حوله وربما لا يريد أن يدري، ومساعد للكيان الصهيوني ولكل كيان يساعد هذا الكيان.
لقد منحت بعض الدول العربية الجيش الإسرائيلي جزءا من أراضيها، ليتدرَّب على حرب الأنفاق، ونحتت له نماذج تشبه أنفاق المقاومة، حتى يتمكن من إنجاح مخططات الإبادة التي يمارسها ضد الفلسطينيين، وكانت بواخر السفاحين الصهاينة، تجد في موانئها إستراحة محارب.
همّه الأول والأخير كيف يكتم النفس الفلسطيني حتى ولو كان من طفل رضيع، أو شيخ على مشارف الرحيل.
أمضينا عقودا في انتقاد الناصرية والبعثية والقومية العربية، التي لم تحقق النصر المرجوّ في كل الحروب الكلاسيكية بين العرب والكيان، ولكننا لم نسمع صراحة عن تطبيع وخنوع، وحتى عندما سافر الرئيس المصري الراحل أنور السادات إلى القدس سنة 1977، والتقى بيغن تحت مظلة جيمي كارتر، ذاق من الهجر والتهميش العربي، وأقيمت بسببه جبهةٌ للصمود والتصدي، فكان العرب يجتمعون ويحاربون ويخسرون، ولكنهم لم يصلوا إلى هوان مثل هذا الذي جعل نتانياهو يفعل ما يريد ويقول ما يريد في الزمن والمكان المقدس الذي يريد، وجعل دونالد ترامب يأمر من يريد ويأخذ من الأموال ما يريد.
في كتاب “مذكرات البيت الأبيض”، الذي ألَّفه الرئيس الأمريكي الأسبق، جيمي كارتر، سنة 2010، اعترف الرجل بأن الولايات المتحدة الأمريكية بذلت الكثير من الوقت والجهد والمال، لأجل أن تجمع أنور السادات بمناحيم بيغن، وحتى معاهدة كامب ديفيد كانت بثمن، مازالت أمريكا تدفعه في كل سنة من ملايير الدولارات لمصر، كما اعترف كارتر بأن بعض اتفاقيات السلام على قلّتها بين بعض العرب والكيان، كانت تكلف الأمريكان الكثير.
ولا أحد ظن أن بعض الكيانات العربية، صارت تلهث على التطبيع، وتدفع بعد تحقيقه، مئات الملايير من الدولارات، وتسأل ترامب إن كان يريد.. المزيد!
في كل المجازر، التي كانت تطال أبناء فلسطين، من دير ياسين إلى صبرا وشاتيلا، كان العرب يرعدون ويبرقون ويعصفون، صحيحٌ أنهم ما كانوا يُمطرون، ولكن مع ذلك كانوا يدمعون
ولكنهم في زمن الصمت الرهيب ما عادوا يتابعون هذه المجازر.. ومنهم من يكبّر ويهلل لكل روح تُزهق بأيدي نازيي العصر الحديث.
قد يكون جمال عبد الناصر رحمه الله ومن كان معه في العالم العربي، أذاقونا من مشروب النكسة عدة كؤوس ولم يستسلموا.
ولكن ما شربناه حاليا من قادة زمن الهوان، هو سُمٌّ زُعاف.