
يعد الشباب الركيزة الأساسية لأي مشروع تنموي أو نهضوي فهم الفئة الأكثر قدرة على التغيير والأكثر تأثرا بالتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية غير أن العديد من المجتمعات خصوصا تلك التي تعاني من هشاشة مؤسساتية وترد اقتصادي تشهد ظاهرة خطيرة تتمثل في زج شباب البلديات في خلافات وصراعات جانبية تقدم أحيانا على أنها مشاركة سياسية أو دفاع عن قضايا محلية، بينما تهدف في جوهرها إلى إشغال الشباب عن واقعهم المتردي من فقر وبطالة وتهميش وتهيئة الساحة أمام قوى تعبث بمقدرات الوطن دون مساءلة.
تهدف هذه الدراسة إلى تحليل إيجابيات هذا الدمج – إن وُجدت – وسلبياته العميقة مع إبراز انعكاساته على وعي الشباب ومستقبل التنمية الوطنية.
[أولا: الإطار المفاهيمي لدمج الشباب في الصراعات المحلية]
يقصد بدمج الشباب في صراعات البلديات إشراكهم – بشكل مباشر أو غير مباشر – في نزاعات سياسية، وإداريةواجتماعية ذات طابع محلي غالبا ما تدار خارج الأطر المؤسسية السليمة وتستخدم فيها أدوات التعبئة العاطفية، والانتماءات الضيقة والخطاب التحريضي.
وغالبا ما يتم هذا الدمج في سياق:
ضعف السياسات الشبابية الوطنية.
ارتفاع معدلات البطالة وانسداد الأفق الاقتصادي.
غياب قنوات المشاركة السياسية الحقيقية.
سيطرة نخب محلية تبحث عن النفوذ لا عن التنمية.
[ثانياً: الإيجابيات المحتملة لدمج الشباب في الشأن المحلي]
رغم الطابع السلبي الغالب لهذه الظاهرة يمكن الإشارة – من باب التحليل الموضوعي – إلى بعض الإيجابيات المحدودة بشرط أن تتم في إطار سليم وهو ما نادرا ما يتحقق:
1.تنمية الحس العام والانخراط في الشأن المحلي
قد يكتسب بعض الشباب وعيا أوليا بقضايا بلدياتهم مثل الخدمات والبنية التحتية، وآليات اتخاذ القرار.
2.بناء مهارات التعبير والتنظيم
فالمشاركة في النقاشات والصراعات قد تنمي مهارات الخطابة، والتفاوض والعمل الجماعي لدى فئة محدودة من الشباب.
3.كسر حالة اللامبالاة السياسية
في مجتمعات يسودها العزوف العام قد ينظر إلى هذا الدمج كوسيلة لإخراج الشباب من السلبية ولو بشكل مؤقت.
غير أن هذه الإيجابيات تبقى نظرية ومحدودة الأثر إذا لم ترافقها سياسات تنموية حقيقية ورؤية وطنية جامعة.
[ثالثاً: السلبيات العميقة لزجّ الشباب في صراعات جانبية
تفوق السلبيات بكثير أي إيجابيات محتملة وتشكل تهديدا مباشرا للفرد والمجتمع والدولة:
[1.إلهاء الشباب عن قضاياهم الجوهرية]
قديؤدي الانخراط في صراعات مفتعلة إلى:
تغييب النقاش حول البطالةو الفقر وضعف التعليم وغياب العدالة الاجتماعية.
وتحويل غضب الشباب من أسباب معاناتهم الحقيقية إلى خصومات جانبية.
[2.استنزاف الطاقة الشبابية في معارك عبثية]
فبدلا من توظيف طاقات الشباب في:
المبادرات الاقتصادية،
الابتكار
العمل المدني البناء،
يتم استهلاكها في نزاعات لا تنتج تنمية ولا تحقق كرامة.
[3.تكريس الانقسام الاجتماعي والجهوي]
تغذي هذه الصراعات:
العصبيات المحلية،
والولاءات الضيقة،
وخطاب “نحن” مقابل “هم”،أنتم"
مما يضعف النسيج الوطني ويهدد السلم الاجتماعي.
[4.تهيئة المجال للعبث بمقدرات الوطن]
فانشغال الشباب بالصراعات الثانوية يسمح لـ:
النخب الفاسدة.
وشبكات المصالح
والقوى العابثة بالمال العام.
بالتحرك بعيدا عن الرقابة والمساءلة المجتمعية.
[5.تطبيع الإحباط واليأس]
فعندما يكتشف الشباب لاحقا أن:
الصراعات لم تحسن حياتهم،
وأن الوعود كانت زائفة.
يتحول الإحباط إلى:
-عزوف سياسي.
-هجرة.
-أوانزلاق نحو التطرف أو العنف.
[رابعا: الأبعاد النفسية والاجتماعية لتغييب وعي الشباب]
إن أخطر نتائج هذه الظاهرة ليست فقط سياسية أو اقتصادية بل نفسية ووجودية، حيث:
ينسى الشاب بؤسه الحقيقي تحت ضغط الشعارات.
يقنع بأن مشكلته في“الخصم المحلي” لا في البنية الاقتصادية الفاسدة.
يتعايش مع البطالة كقدر لا كقضية قابلة للتغيير.
وهنا يتحقق الهدف غير المعلن: شباب مشغول منقسم منهك وغير قادر على المحاسبة أو الحلم الجماعي.
[خامساً: نحو] مقاربة بديلة لتمكين الشباب
لمواجهة هذه الظاهرة تبرز الحاجة إلى:
1.سياسات تشغيل حقيقية تعالج البطالة لا تجملها.
2.إشراك الشباب في القرار التنموي لا في الصراعات.
3.تعزيز الوعي النقدي عبر التعليم والإعلام.
4.بناء فضاءات حوار وطنية تتجاوز الانقسامات المحلية.
5.ربط المشاركة السياسية بالمساءلة والشفافية.
خلاصة القو
إن دمج شباب البلديات في خلافات وصراعات جانبية تحت أي مسمى يمثل شكلا من أشكال الهدر المنظم للوعي والطاقة الوطنية. فبدلا من أن يكون الشباب قوة ضغط من أجل التنمية والعدالة يحولون إلى أدوات في صراعات تبقي الواقع المتردي على حاله وتفتح المجال أمام العابثين بمقدرات الوطن.
إن مستقبل الأوطان لا يبنى بشباب مشغول عن بؤسه بل بشباب واعٍ منتج ومشارك في مشروع وطني عادل يعترف بمعاناته ويعمل على إنهائها لا على التغطية عليها.
والله المستعان
أ

