التهاني أم المبايعة؟ قراءة في المشهد الموريتاني  /أحمدجدو.ولد حني

22 سبتمبر, 2025 - 19:49

تشهد الساحة الموريتانية في الآونة الأخيرة تحولات مثيرة للجدل تمثلت في إعلان بعض القبائل تهانيها لأمراء محليين في مشهد فهم من طرف كثيرين وكأنه عودة إلى طقوس المبايعة التقليدية التي عرفتها المنطقة قبل قيام الدولة الوطنية الحديثة.
واللافت في الأمر أن قبائل لم يسبق لها أن خضعت تاريخيا لسلطة أمير – مثل تنواجيو – شاركت في هذه التظاهرة الاجتماعية وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول دلالات هذه الخطوة وتداعياتها على مستقبل المجتمع الموريتاني.
خلفيات الظاهرة
منذ تأسيس الدولة الحديثة في موريتانيا ظل الصراع قائما بين منطق المواطنة والدولة المركزية، ومنطق البُنى التقليدية التي يمثلها شيوخ القبائل وأمراء الإمارات التاريخية. ورغم تراجع نفوذ هذه البنى بفعل التعليم والتمدين والديمقراطية الشكلية فإنها ظلت كامنة في العمق الاجتماعي تنتظر لحظة عودة.
لكن عودة هذه المظاهر اليوم جاءت في ثوب جديد فهي ليست مبايعة رسمية تكرس التبعية السياسية وإنما طقوس تهنئة ذات طابع اجتماعي ورمزي ومع ذلك، فإن التداخل القائم بين "التهنئة" و"المبايعة" في الوعي الجمعي جعل الحدث يقرأ على أكثر من مستوى.
فالبعدين السياسي والإجتماعي.
سياسياً: حتى لو كانت في صيغة "تهانئ"، فإن مثل هذه المظاهر قد تضعف منطق الدولة وتعيد توزيع الولاءات على أسس تقليدية.
واجتماعياً يُنظر إليها أحيانا كنوع من تثمين التراث وصون الهوية، وأحيانا أخرى كخطوة إلى الوراء تكرّس الانقسام.
وثقافياً: الطابع الاحتفالي للتهاني لا يلغي رمزية الإحياء غير المباشر لطقوس المبايعة ما قد يثير جدلا بين قيم الحداثة والتقاليد.
أماحالة تنواجيو
خصوصية موقف تنواجيو تستحق التوقف إذ أن هذه القبيلة عرفت تاريخيا باستقلاليتها وعدم خضوعها لأي أمير. فانخراطها في سياق "التهانئ" يُظهر أن منطق القبيلة ما زال فاعلا ويستطيع أن يتكيف حتى مع الأحداث الرمزية التي تحمل شحنة سياسية ضمنية.
والسؤال الذي يطرح نفسه إلى أين نحن ذاهبون؟
سواء قرئت باعتبارها مبايعة مقنّعة أو مجرد تهانئ اجتماعية فإن هذه الظاهرة تكشف عن أزمة أعمق في مشروع الدولة الوطنية بموريتانيا وإذا لم تعالج هذه الأزمة عبر إصلاحات جدية تعيد الثقة للمواطن في مؤسسات بلده فإن خطر عودة البنى التقليدية كمرجعيات بديلة سيظل قائما.