الجزائر وموريتانيا والصحراء الغربية تتعانق عبر الثقافة الحسانية/حمدي يحظيه

28 يونيو, 2025 - 17:44
السيد حمدي يحظيه

التنوع الثقافي هو “ترند” أو علامة جزائرية مسجلة؛ فهذا البلد الكبير أو البلد القارة ليس كبيرا في المساحة الجغرافية، وليس عظيما تاريخيا فقط، لكن، من الناحية الثقافية، هو قارة أيضا بمعنى الكلمة إذا أخذنا في الحسبان والاعتبار البانوراما الثقافية لهذا البلد الرائع.

في الجزائر توجد فسيفساء ثقافية ملونة لا يمكن عد أو تصنيف جزئياتها، وعلى ما يبدو قد تكون الجزائر هي أكثر بلد يسجل براءة تراث مادي أو لا مادي في اليونيسكو. في كل زاوية أو منطقة في الجزائر توجد ثقافة وطبوع وعادات وتقاليد ولغات تختلف عن المنطقة المجاورة لها، وتوجد آثار وتاريخ، وهذا التنوع يجعل الدهشة ترافق الزائر للجزائر اينما حل وارتحل. في كل منطقة جزائرية يوجد تراث وثقافة وطبوع فنية وعادات وتقاليد منها ما هو نوميدي، ومنها ما هو عربي اسلامي، ومنها ما هو امازيغى، ومنها ما هو اندلسي، ومنها ما هو حساني.

بسبب شساعة الجزائر وكبرها، وبسبب البعد المسافاتي بين الشرق الغرب، يخيل إلى المهتمين بالحقل الثقافي أن الكثيرين لا يعتقدون أن سكان أقصى الشرق الجزائري في قسنطينة أو الطارف يعرفون أن الثقافة الحسانية هي مكون مهم من مكونات الثقافة الجزائرية، وأن الجزائر وموريتانيا والصحراء الغربية تتعانق ثقافيا بفضل الثقافة الحسانية الييظانية التي يشترك فيها البلدان الثلاثة، ويعتبرونها جسر تواصل دائم وقوي يربط بينهم. فمثلا، ولاية جزائرية كبيرة مثل ولاية تندوف، مساحتها 159000 كلم متر مربع، أكبر من بعض الدول، هي ولاية تسود فيها، كلها، الثقافة الحسانية وعادات وتقاليد البيظان. وليست ولاية تندوف وحدها في الجزائر هي التي تحافظ على الطابع الثقافي الحساني أو البيظاني، لكن تجد الناس في بشار، لعبادلة، ادرار وحتى في برج باجي مختار في اقصى الجنوب يتكلمون اللهجة الحسانية، يلبسون ملابس شعب البيظان، ويحافظون على عاداته.

وليست الثقافة الحسانية هي التي تربط الشعبين الصحراوي والجزائري، لكن هناك ارتباط آخر روحي وتاريخي بين الجزائر ووادي الساقية الحمراء في الصحراء الغربية. فقبائل عظيمة تشكل جزءا مُهما من التركيبة البشرية الجزائرية مثل قبائل اولاد نايل، في ضواحي الأبيض سيدي الشيخ، يقولون أن اصلهم من الساقية الحمراء. في أقصى الشرق الجزائري أو في منطقة القبائل ستجد هناك من يقولون لك-وهم كثر- أن أجدادهم من الساقية الحمراء، أو يقولون لك أن “لمرابطين” الذين نشروا الدين الإسلامي في مناطقهم أصلهم من الساقية الحمراء، ولا زالوا إلى الآن-لمرابطين- يحظون بالتقدير في المناطق الجزائرية التي عاشوا وماتوا فيها.

وحتى لا يكون ما نكتب في هذا المقال هو كلام عام، نضرب مثلا بأشهر شاعر حساني قديم عاش في القرن الخامس عشر ميلادي، والذي مثّل جسر تواصل للثقافة الحسانية بين الجزائر والصحراء الغربية. الشاعر المذكور هو الفارس والامير عمار ولد مريزيگ، الذي يعتبره النقاد أول أو مِنْ أول مَنْ قرض الشعر الحساني. فهذا الشاعر والفارس والأمير عاش ما بين منطقة لحمادة وتندوف ومنطقة زمور في الصحراء الغربية. ففي ضواحي تندوف توجد الآن بئر شهيرة هي “بئر لعواتق”، وتوجد بئر ” لعوينة” وهاتان البئران، حسب ما هو متداول شفهيا، حفرهما الشاعر والفارس المذكور وقبيلته العربية سَلاّمْ.

وإذا كان هذا الشاعر والفارس الذي يعتبر أول من تغنى باللهجة الحسانية قد ترك أثرا في أرض الجزائر، فإنه، بالمقابل، ترك آثارا كثيرة تحمل اسمه في الصحراء الغربية، وختم حياته هناك شهيدا يحارب البرتغاليين. الآن، توجد في تندوف ولعبادلة وتلك الضواحي حركة ثقافية حسانية نشطة جدا، ويوجد شعراء حسانيون كبار توحدوا بالكلمة وبالقصيدة الحسانية، وحافظوا عليها وتفوقوا فيها، كما يوجد باحثون اكتشفوا كنوزا دفينة للثقافة الحسانية فراحوا يكتبون عنها، ويستخرجون مكنوناتها العميقة. إن تنظيم ملتقيات مشتركة للثقافة الحسانية أو ثقافة البيظان بين ثلاثة بلدان من شمال غرب إفريقيا-موريتانيا، الصحراء الغربية والجزائر-يقوي أواصر الصداقة بين شعوب هذه البلدان، ويمهد لوحدة شعوب تتحرى اليوم الذي تتعانق فيه.

لقد اكتشفنا ولو متأخرين أن الجزائر مهتمة كثيرا بالثقافة الحسانية، وأنها مصممة أن تحتفي بها مستقبلا مثلما تحتفي بمختلف الثقافات الجزائرية المحلية الأخرى. فمثلا، ما أن أُعلن أن الجزائر اُختيرت لتكون عاصمة للثقافة الحسانية حتى هللت الصحافة الجزائرية والصحراوية والموريتانية للحدث، وتم اعتبار المبادرة إنها نوع من رد الاعتبار لمكوّن ثقافي جزائري مغاربي مهم لا يجب أن يخرج من الحسابات مستقبلا. أظن أن اختيار الجزائر عاصمة للثقافة الحسانية، وحماس الجزائريين والصحراويين والموريتانيين للاحتفاء بهذه الثقافة سيكون دعما قويا للثقافة الحسانية في الفضاء المغاربي، وبكل تأكيد أن المثقفين سينكبون بحماس على البحث في التراث الحساني البيظاني المتنوع، وسيستخرجون الكنوز التي لازالت دفينة. وبما أن الثقافة الحسانية هي، ربما، الثقافة الوحيدة المشتركة بين ثلاثة بلدان مغاربية، فأظن أنه سيكون من المفيد تشكيل لجنة من البلدان الثلاثة للنهوض بهذه الثقافة وترقيتها.
السيد حمدي يحظيه